فصل: القبض على الملك الرحيم وانقراض دولة بني بويه.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.القبض على الملك الرحيم وانقراض دولة بني بويه.

ولما نزل طغرلبك بغداد وافترق أهل عسكره في البلد يقضون بعض حاجاتهم فوقعت بينهم وبين بعض العامة منازعة فصاحوا بهم ورجموهم وظن الناس أن الملك الرحيم قد اعتزم على قتال طغرلبك فتواثبوا بالغز من كل جهة إلا أهل الكرخ فإنهم سألوا من وقع إليهم من الغز وأرسل عميد الملك وزير طغرلبك عن عدنان ابن الرضي نقيب العلويين وكان مسكنه بالكرخ فشكره عن السلطان طغرلبك ودخل أعيان الديلم وأصحاب الملك الرحيم إلى دار الخلافة نفيا للتهمة عنهم وركب أصحاب طغرلبك فقاتلوا العامة وهزموهم وقتلوا منهم خلقا ونهبوا سائر الدروب ودور رئيس الرؤساء وأصحابه والرصافة ودور الخلفاء وكان بها أموال الناس نقلت إليها للحرمة فنهب الجميع واشتد البلاء وعظم الخوف وأرسل طغرلبك إلى القائم بالعتاب ونسبة ما وقع إلى الملك الرحيم والديلم وأنهم انحرفوا وكانوا برآء من ذلك وتقدم إليهم الخليفة بالحضور عند طغرلبك مع رسوله فلما وصلوا إلى الخيام نهبها الغز ونهبوا رسل القائم معهم ثم قبض طغرلبك على الملك الرحيم ومن معه وبعث بالملك الرحيم إلى قلعة السيروان فحبس بها وكان ذلك لست سنين من ملكه ونهب في تلك الهيعة قريش بن بدران صاحب الموصل ومن معه من العرب ونجا سليبا إلى خيمة بدر بن المهلهل واتصل بطغرلبك خبره فأرسل إليه وخلع عليه وأعاده إلى مخيمه وبعث القائم إلى طغرلبك بإنكار ما وقع في إخفار ذمته في الملك الرحيم وأصحابه وأنه يتحول عن بغداد فأطلق له بعضهم بلكسكسالربه وأنزع الاقطاعات من يد أصحابه الملك الرحيم فلحقوا بالبساسيري وكثر جمعه وبعث طغرلبك إلى دبيس بالطاعة وإنفاذ البساسيري فخطب له في بلاده وطرد البساسيري فسار إلى رحبة ملك وكاتب المستنصر العلوي صاحب مصر وأمر طغرلبك بأخذ أموال الأتراك الجند وأهملهم وانتشر الغز السلجوقية في سواد بغداد فنهبوا الجانب الغربي من تكريت إلى النيل والجانب الشرقي إلى النهر وأنات وخرب السواد وانجلى أهله وضمن السلطان طغرلبك البصرة والأهواز من هزارشب بن شكر بن عياض بثلثمائة وستين ألف دينار وأقطعه أرجان وأمره أن يخطب لنفسه بالأهواز دون ما سواها وأقطع أبا علي بن كاليجار ويسين وأعمالها وأمر أهل الكرخ بزيادة الصلاة خير من النوم في نداء الصبح وأمر بعمارة دار المملكة وانتقل إليها في شوال وتوفي ذخيرة الدين أبو العباس محمد بن القائم بالله في ذي القعدة من هذه السنة ثم انكح السلطان طغرلبك من القائم بالله خديجة بنت أخيه داود وإسمها أرسلان خاتون وحضر للعقد عميد الملك الكندي وزير طغرلبك وأبو علي بن أبي كاليجار وهزارشب بن شكر بن عياض الكردي وابن أبي الشوك وغيرهم من أمراء الأتراك من عسكر طغرلبك وخطب رئيس الرؤساء وولي العقد وقبل الخليفة بنفسه وحضر نقيب النقباء أبو علي بن أبي تمام ونقيب العلويين عدنان ابن الرضي والقاضي أبو الحسن الماوردي وغيرهم.

.انتقاض أبي الغنائم بواسط.

كان رئيس الرؤساء سعى لأبي الغنائم بن المجلبان في ولاية واسط وأعمالها فوليها وصادر أعيانها وجند جماعة وتقوى بأهل البطيحة وخندق على واسط وخطب للمستنصر العلوي بمصر فسار أبو نصر عميد العراق لحربه فهزمه وأسر من أصحابه ووصل إلى السور فحاصره حتى تسلم البلد ومر أبو الغنائم ومعه الوزير بن فساجس ورجع عميد العراق إلى بغداد بعد أن ولى واسط منصور بن الحسين فعاد ابن فسانجس إلى واسط وأعاد خطبة العلوي وقتل من وجده من الغز ومضى منصور بن الحسين إلى المدار وبعث يطلب المدد فكتب إليه عميد العراق ورئيس الرؤساء بحصار واسط فحاصرها وقاتله ابن فسانجس فهزمه وضيق حصاره واستأمن إليه جماعة من أهل واسط فملكها وهرب فسانجس واتبعوه فأدركه وحمل إلى بغداد في صفر سنة ست وأربعين فشهر وقتل.

.الوقعة بين البساسيري وقطلمش.

وفي سلخ شوال من سنة ثمان وأربعين سار قطلمش وهو ابن عم السلطان طغرلبك وجد بني قليج أرسلان ملوك بلاد الروم فسار ومعه قريش بن بدران صاحب الموصل لقتال البساسيري ودبيس وسار بهم إلى الموصل وخطبوا بها للمستنصر العلوي صاحب مصر وبعث إليهم بالخلع وكان معهم جابر بن ناشب وأبو الحسن وعبد الرحيم وأبو الفتح ابن ورائر ونصر بن عمر ومحمد بن حماد.

.مسير طغرلبك إلى الموصل.

لما كان السلطان طغرلبك قد ثقلت وطأته على العامة ببغداد وفشا الضرر والأذى فيهم من معسكره فكاتبه القائم يعظه ويذكره ويصف له ما الناس فيه فأجابه السلطان بالاعتذار بكثرة العساكر ثم رأى رؤيا في ليلته كان النبي صلى الله عليه وسلم يوبخه على ذلك فبعث وزيره عميد الملك إلى القائم بطاعة أمره فيما أمر وأخرج الجند من وراء العامة ورفع المصادرات ثم بلغه خبر وقعة قطلمش مع البساسيري وانحراف قريش صاحب الموصل إلى العلوية فتجهز وسار عن بغداد ثلاثة عشر شهرا من نزوله عليها ونهبت عساكره أوانا وعكبرا وحاصر تكريت حتى رجع صاحبها نصر بن عيسى إلى الدعوة العباسية وقتله السلطان ورجع عنه إلى البواريج فتوفي نصر وخافت أمه غريبة بنت غريب بن حكن أن يملك البلد أخوه أبو الغشام فاستخلفت أبا الغنائم بن المجلبان ولحقت بالموصل ونزلت على دبيس بن مزيد وأرسل أبو الغنائم رئيس الرؤساء فأصلح حاله ورجع إلى بغداد وسلم له تكريت وأقام السلطان بالبواريخ إلى سنة تسع وأربعين وجاء أخوه ياقوتي في العساكر فسار إلى الموصل وأقطع مدينة بلد هزارشب بن شكر الكردي وأراد العسكر نهبها فمنعهم السلطان ثم أذن لهم في اللحاق إلى الموصل وتوجه إلى نصيبين وبعث هزارشب إلى البرية في ألف فارس ليصيب من العرب فسار حتى قارب رحالهم وأكمن الكمائن وقاتلهم ساعة ثم استطرهم واتبعوه فخرجت عليهم الكمائن فانهزموا وأثخن فيهم الغز بالقتل والأسر وكان فيهم جماعة من بني نمير أصحاب حران والرقة وحمل الأسرى إلى السلطان فقتلهم أجمعين ثم بعث دبيس وقريش إلى هزارشب يستعطف لهم السلطان فقبل السلطان ذلك منهما وورد أمر البساسيري إلى الخليفة ومعه الأتراك البغداديون وقتل ابن المقلد وجماعة من عقيل إلى الرحبة وأرسل السلطان إليهما أبا الفتح بن ورام يستخبرهما فجاء بطاعتهما وبمسير هزارشب إليهما فأذن له السلطان في المسير وجاء إليهما واستحلفهما وحثهما على الحضور فخافا وأرسل قريش أبا السيد هبة الله بن جعفر ودبيس ابنه منصورا فأكرمهما السلطان وكتب لهما بأعمالهما وكان لقريش نهر الملك وباذروبا والأنبار وهيت ودجيل ونهر بيطر وعكبرا وأوانا وتكريت والموصل ونصيبين ثم سار السلطان إلى ديار بكر فحاصر جزيرة ابن عمر وبعث إليه يستعطفه ويبذل له المال وجاء إبراهيم ينال أخو السلطان وهو محاصر ولقيه الأمراء والناس وبعث هزارشب إلى دبيس وقريش يحذرهما فانحدر دبيس إلى بلده بالعراق وأقام قريش عند البساسيري بالرحبة ومعه ابنه مسلم وشكا قطلمش ما أصاب أهل سنجار منه عند هزيمته أمام قريش ودبيس فبعث العساكر إليها وحاصرها ففتحها عنوة واستباحها وقتل أميرها علي ابن مرجى وشفع إبراهيم في البارقين فتركها وسلمها الله وسلم معها الموصل وأعمالها ورجع إلى بغداد في سنة تسع وأربعين فخرج رئيس الرؤساء للقائه عن القائم وبلغه سلامه وهديته وهي جام من ذهب فيه جواهر وألبسه لباس الخليفة وعمامته فقبل السلطان ذلك بالشكر والخضوع والدعاء وطلب لقاء الخليفة فأسعف وجلس له جلوسا فخما وجاء السلطان في البحر فقرب له لما نزل من السهيرية من مراكب الخليفة والقائم على سرير علوه سبعة أذرع متوشحا البردة وبيده القضيب وقبالته كرسي لجلوس السلطان فقبل الأرض وجلس على الكرسي وقال له رئيس الرؤساء عن القائم: أمير المؤمنين شاكر لسعيك حامد لفعلك مستأنس بقربك وولاك ما ولاه الله من بلاده ورد إليه مراعاة عباده فاتق الله فيما ولاك واعرف نعمته عليك واجتهد في نشر العدل وكف الظلم وإصلاح الرعية فقبل الأرض وأفيضت عليه الخلع وخوطب بملك الشرق والمغرب وقبل يد الخليفة ووضعها على عينيه ودفع إليه كتاب العهد وخرج فبعث إلى القائم خمسين ألف دينار وخمسين مملوكا من الأتراك منتقين بخيولهم وسلاحهم إلى ما في ما في معنى ذلك من الثياب والطيب وغيرهما.